من جديد نعود لظاهرة الأفلام الـ3D التي صنّفت جمهوراً يقطع ثمن التذكرة لمتعة المشاهدة المجسّمة (ثلاثية الأبعاد)، بغض النظر عن متعة الفيلم نفسه، وجوانبه الفنية.
حتى فترة قريبة كانت هوليوود تُعيد إنتاج كلاسيكيات السينما العالمية بتقنيات جديدة؛ حيث كانت تُضيف للقصة مؤثرات بصرية وجرافيك أفضل، ومؤثرات صوتية أقوى، فضلاً عن ديكورات أكثر جمالاً وتماشياً مع الأحداث، مع إدخال بعض التعديلات على القصة الأصلية؛ لتحقق تلك الأفلام في نسختها الجديدة إيرادات ضخمة، وتشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، يُؤكّد أن احتياج الجمهور لإعادة مشاهدة أفلامه القديمة المفضّلة بمتعة بصرية جديدة ومختلفة، لا يقل عن احتياجه لأفلام جديدة وأحداث يشاهدها لأول مرة.
حدث ذلك مع "كوكب القرود" و"تايتانيك" وغيرهما الكثير من عشرات الأفلام الهوليوودية التي أعيد إنتاجها من جديد في التسعينيات والألفية الثالثة بفنانين جُدد، ومخرجين لهم رؤيتهم المختلفة، وها نحن نواصل الاستمرار في الظاهرة مع فيلم "Clash of the Titans" مع إضافة "أوبشن" جديد اسمه الـ3D، فإذا كانت عملية إعادة الإنتاج في حد ذاتها تضمن جني المزيد من الملايين والإيرادات، فهل هناك شك أن متعة المشاهدة ثلاثية الأبعاد ستضاعف من المكسب والهوس الجماهيري؟!
عام 1981 ظهر "Clash of the Titans " من إخراج "ديزموند ديفيز"، وبطولة "لورانس أوليفييه"، و"ماجي سميث"، و"أورسولا أندروز"، ليحقق نجاحاً كبيراً على المستوى النقدي والفني، رغم أنه صُنِع وقتذاك بمؤثرات تقليدية، وبدون صورة ثلاثية الأبعاد، لكن اعتماده على سيناريو محكم، وقصة حب أسطورية ساهم في إبراز عواطف الأداء التمثيلي الجيّد، بينما في "Clash of the Titans" نسخة 2010 نحن أمام حلقة جديدة من حلقات المسلسل التليفزيوني الشهير "هركليز" الذي كنا نتابعه في التسعينيات، بحواره الضعيف، ومفرداته التي كانت بعيدة كل البُعد عن الفلسفة العميقة القابعة خلف الأساطير الإغريقية، لكننا كنا نفغر الأفواه ونحملق الأعين أمام تلك الوحوش الغريبة الطائرة، والتنين الذي يقذف كرات النار من فمه، والمارد الذي يهوي بقبضته ليزيل البيوت من الوجود، ليبدو الفيلم في نسخته الجديدة بمثابة حلقة تليفزيونية خيالية شديدة الإبهار بما يواجهه البطل فيها من أهوال ومجازفات في الأراضي المحرّمة، بعيداً عن أي حبكة أو مفاجأة غير متوقّعة أو حتى قصة حب عميقة..
حيث قرر سكان مدينة "أرجون" الإغريقية ومَن يملكونها، إعلان التمرّد على حكم الإله "زيوس - ليام نيسن" كبير آلهة الأوليمب، والذي يتغذّى على حب الناس وعبادتهم له، مكتسباً المزيد من القوة والطاقة، فيقنعه أخيه "هاديس - رالف فينيس" إله العالم السفلي المغضوب عليه، والذي يتغذّى على كراهية الناس وشرورهم، بضرورة تلقين البشر درساً قاسياً في وجوب طاعة الآلهة وعدم إعلان التحدي عليهم لأي سبب من الأسباب، مِن هنا يذهب "هاديس" إلى سكان "أرجون" ويُخبرهم أن البراكين والزلازل ستضرب مدينتهم بعد 10 أيام ليصبحون جميعاً نسياً منسياً إلا إذا قدّموا "أندروميدا - أليكسا دافلوس" ابنة ملك المدينة لوحش "الكراكن" الأسطوري حتى يلتهمها وتكون فداءً للمدينة البائسة.. وتتوالى الأحداث.
الحل لإنقاذ المدينة هو تقديم ابنة الملك للوحش فداء حتى يلتهمها
الحل لإنقاذ المدينة هو تقديم ابنة الملك للوحش فداء حتى يلتهمها
السيناريو لـ"ترافيس بيكهام" و"فيل هاي" حاول الخروج عن الميثولوجيا الإغريقية أو علم الأساطير الذي يروي أدق تفاصيلها، لتقديم أسطورة "رأس ميدوسا" أو "ميدوزا" كما يُسمّيها البعض، والتي اختلفت تفاصيلها في أكثر من رواية، وتباينت نهايتها بشكل يُشبه الفلكلور المطاط القابل للتشكيل والتغيير، وحاول السيناريو تقديم رؤية جديدة بها تفصيلة غير تاريخية، وإضافات مختلفة تضيف بُعداً فلسفياً مفاده أن البشر لا يمكنهم الاستغناء عن السماء، لكنهم لهم الحق في مواجهة غضبها على الأقل من باب المحاولة، لكن المحاولة جاءت مخيّبة للآمال، بطريقة غير مترابطة، وأكد ذلك الأداء التمثيلي "العادي" لمختلف فناني الفيلم..
ولم ينجُ من ذلك "سام ورثينجتون" بطل ملحمة "Avatar" العبقرية، إذ جاء أداؤه وملامحه هزيلة بشكل لا يتناسب مع كونه بطل نصف إله ولا حتى بني آدم عادي بيلعب في "الجيم"، بينما تقبّلنا بطولته في "Avatar" لكون البطل جندي "مارينز" متقاعداً، كما أن شخصيته في "Avatar" التي حفظها الجمهور الذي دخل الفيلم أكثر من مرة، خففت كثيراً من تقبّل الناس له في شخصية مختلفة جاءت بعد شخصيته الشهيرة في "Avatar" بفترة وجيزة جداً، لكن من قال إن الجمهور الذي دخل " Clash of the Titans" على مدار أنحاء العالم تشغله هذه التفاصيل من الأساس؟
فالجميع يعرف الأسطورة ويحفظها عن ظهر قلب، أو على الأقل سمع عنها وشاهد جزءاً من تفاصيلها في مختلف الحلقات التليفزيونية والأفلام والكتب والروايات التي تناولتها، والجميع يعرف جيداً أن أي بطل أسطوري سيواجه مخلوقات خرافية سيتكبّد المتاعب والآلام قبل أن ينتصر في النهاية، الأمر إذن لا يدخل حيّز حدود المعرفة، وإنما ينصبّ على المتعة البصرية والإبهار، وهذا ما أراد المخرج "لويس ليترير" صنعه من البداية، حيث قال: "أنا نشأت في الثمانينيات، وكنت أحب الأفلام الترفيهية كثيراً، وكنت متابعاً جيداً لأفلام ستيفن سبيلبيرج، جو دانتي، وروبرت زيميكيس، ودائماً ما كنت أتمنّى أن أصنع أفلاماً شبيهة بأفلامهم".
نحن إذن على أعتاب عصر جديد تتحوّل فيه السينما إلى ملاهٍ ترفيهية تجذب الجماهير للتمتع بالرؤية البصرية المجسّمة بطريقة ثلاثية الأبعاد، بغض النظر عن باقي الجوانب الفنية التي كانت المعيار الأول لقبول الفيلم أو رفضه، ويؤكد ذلك اتجاه الكثير من كبار مخرجي العالم لإخراج أفلامهم بنظام الـ3D وعلى رأسهم "ريدلي سكوت" والمخرج المخضرم "مارتن سكورسيزي"، حتى أن "جيمس كاميرون" بصدد إخراج رائعته الشهيرة "تايتانيك" بنظام الرؤية ثلاثية الأبعاد، بل إن هنا في مصر تتردد الأقاويل بإنتاج أول فيلم مصري ثلاثي الأبعاد يُشارك في بطولته الفنان عمرو سعد.
كلمات أخيرة:
* استمتعت كثيراً بمشاهدة الفيلم رغم سطحيته ومعرفتي المسبقة بأحداثه، إذ طالما تمنيت مشاهدة حلقات "هركليز" التي شاهدتها في طفولتي بنظام الرؤية ثلاثية الأبعاد بعد أن راق لي كثيراً هذا الاختراع وأنا أشاهده لأول مرة في "آفاتار"، ولولا النظارة "السحرية" لاستحق "تحدي العمالقة" صفر من عشرة بلا منازع.
* حيلة جذب الجمهور بسحر الرؤية ثلاثية الأبعاد لن تستمر كثيراً، ومع أول ظهور لشاشات التليفزيون التي تعرض المحتوى التليفزيوني بنظام الـ3D مع توفير النظارات للجمهور في منازلهم، لن يجد المنتجين بُدًّا من العودة للاهتمام بالمحتوى الفني قبل أي مؤثرات بصرية "خادعة".
>>>اقلك سر ..تعال تعال قرب شوي 
الأحد يونيو 09, 2013 2:13 am من طرف 
